كان يوماً مشرقاً ..حياةٌ تُختَصر في حقيبة مدرسة
- aldaghry
- قبل 6 ساعات
- 3 دقيقة قراءة

كان يوماً مشرقاً هكذا حملت قصة السيد عادل الدول القصة عبارة عن رحلة شجية وعذبة إلى عوالم الطفولة والذكريات الأولى، حيث تختلط براءة الصغار بمرارة التحولات الكبرى. كان يومًا مشرقًا ليست مجرد قصة عن صبي وعائلته، بل مرآة لأزمنة مضطربة، ولحظة فاصلة في حياة بطلها الصغير، 49 محطة تضمنتها القصة تبدأ من بيت العائلة وتنتهي على مشارف وعي جديد بالعالم.
بأسلوب أدبي، يمزج النص بين التفاصيل الحسية الدقيقة والانفعالات العاطفية العميقة، فيرسم مشاهد الطفولة، وحكايات الجد، وخوف المدرسة، ولحظات الاكتشاف الأولى للحياة والمجتمع. القصة تستحضر تحولات الذات في مواجهة تغيّرات الأسرة والمكان، وتُضفي على التفاصيل اليومية مسحة من الحنين، ممزوجة بأسى الطفولة حين تتكسر أوهامها الأولى.
إنها قصة عن النضج الأول، عن الأحلام الصغيرة التي واجهت قسوة الواقع، وعن اليوم "المشرق" الذي ما لبث أن تحول إلى علامة فارقة في سجل الذاكرة. هذا الكتاب دعوة للتأمل في لحظاتنا التأسيسية، ولقراءة الذات من خلال مرايا الماضي.
يقول السيد المؤلف:" كان يوما ً مشرقا"لا تدّعي تمثيل جيل أو مرحلة، لكنها تلتقط ومضات من زمن الطفولة، حين كانت الأشياء تُدهشنا، والخذلان يُربكنا، والحياةُ كلّها تختصر في حقيبة مدرسة، أو ظلِّ شجرة، أو في غيا ٍب مفاجئ لوجهٍ أحببناه."أكتبها لأشارك القارئ لحظة تأمل... فيما مضى، وفيما بقي، وفيمن كنا ذات يوم
ولعل سطور "الحب الأول" تدغدغ مشاعرنا جميعاً وتضعنا أمام مواجهة وصراع مع الحب ومع ذاتنا ومن نحب

الحب الأول...
مع تقدمي في العمر، تحولت تلك المشاعر البريئة تجاه "فتاة الأحلام" إلى شيء أكثر عمقًا وتعقيدًا. لمتعد مجرد صور خيالية من الأفلام أو كلمات من ال كتب، بل بدأت تكتسب ملامح حقيقية في عالمي.دخلتُ المرحلة الثانوية، وهناك، في زحام المراهقة المتأخرة، التقيتُها "ديمة."كانت ديمة تختلف عن كل الصور التي رسمتها في ذهني. لم تكن تشبه نجمات السينما، ولا تسعى إلى أن تكون واحدة منهن. ل كنها كانت تملك جمالًا آسرًا لا يحتاج إلى زينة، وسحر ًا خفي ًا يتسلّل بهدوء إلى القلب دون استئذان. حضورها كان نادرًا، لا ي ُشبه أي حضور، كأنها لحظة صفاء وسط ضجيج الحياة.
في عينيها دفءٌ لا ي ُوصف، وابتسامتها كانت تنفرج كبتلة ورد في أول الربيع. ضحكتها، وإن خافتة، كانت تحمل طمأنينة غامضة، كأنها تعرف شيئا ً لا يعرفه أحد، لم تكن ديمة بطلة في فيلم، بل كانت حقيقة خالصة، جميلة ببساطتها، آسرة بتلقائيتها، وكأنها جاءت لتنسف أوهامي القديمة عن الجمال، وتعل ّمني أن ما ي ُلمس بالقلب أبقى من كل ما يُرى بالعين.أول مرة رأيتها، كانت تقف قرب نافذة مكتبة عامة، تقلب كتابًا صغيرًا بين يديها كما لو أنها تهمس له.كانت الغرفة تضجّ بأصوات متداخلة، ل كنها كانت خارج ذلك كلّه، كأنها في عزلتها الصغيرة تبني عالماً لا يخصّ أحدًا سواها، لوهلة، شعرت أنني أتجسّس على مشهد خاص، لا ينبغي أن يُرى.
وعندما رفعت رأسها فجأة، والتقت عيناها بعينيّ، لم تندهش. فقط ابتسمت — ابتسامة رقيقة، بلا تكلف، بلا انتظار.
تلك اللحظة، العابرة والبسيطة، كانت كافية لأن تترك أثرًا لم تستطع سنوات أن تمحوه.منذ ذلك اليوم، بدأت أرى الجمال بطريقة مختلفة، لا في الألوان الصارخة، ولا في الانحناءات المصنوعة، بل في الطريقة التي ينصت بها أحدهم إلى كتاب، أو يبتسم بهدوء، أو يترك أثرًا دون أن يدري.تسللت ديمة إلى قلبي ببطء، كأنها نغمة هادئة تتسرب إلى روحي بعد صخب المعزوفات الصاخبة.
لم يكن حب ًا من النظرة الأولى، بل كان شعورًا يتكون تدريجي ًا، ينمو مع كل ابتسامة، وكل كلمة، وكل لحظة صمت تبعد تلك النظرة الأولى قرب نافذة المكتبة، لم يحدث شيء درامي، لم يتوقف الزمن، ولم تبدأ الموسيقى التصويرية، فقط ظلّت صورتها في ذاكرتي، نقية، كما لو أنها وُجدت هناك لتوقظ شيئا ما في داخلي.عدت إلى المكتبة في اليوم التالي، ثم اليوم الذي بعده. كنت أفتش عنها في صمت، متظاهر ًا بالقراءة، أتنقّل بين الرفوف دون أن أجد ما أبحث عنه. ثم، بعد أسبوع تقريبًا، وجدتها تجلس على ال كرسي قرب قسم الأدب الحديث، تقرأ بشغف، وقد ركنت حقيبتها الصغيرة إلى جانبها.
جلستُ قريبًا منها دون أن أقترب، وفي كل مرة كنت أختلس النظر، كانت غارقة في الصفحة كأنها لا تعيش سواها.مرَّ الوقت، وبطريقة هادئة، بدأنا نتحادث، لم أكن أعرف كيف بدأت الكلمات بالانسياب، جاءت بلا تكلّف، كما لو كانت تنتظر فقط من يطرق بابها بلطف. كانت تتكلم بصوت خفيض، لكن واضح، يحمل ثقة ناعمة لا تُرى في كثيرات، كأن كل جملة منها تمرّ على قلبها قبل أن تخرج، لم تكنتستعرض ثقافة، ولم تكن بحاجة إلى أن تفعل، كانت تقرأ لأن القراءة تشبهها، تفهم القصص لأنها تعيش في تفاصيلها، وكانت تتحدث عن الحياة كما لو أنها تمشي فيها بحذرٍ حكيم.في حضور ديمة، بدأت أهدأ، لم أعد أحتاج إلى أن أبدو ذكي ًا أو مثقفًا أو مثيرًا للإعجاب. فقط أن أكون، كانت تسمعني باهتمام لا يشوبه فضول، وتنظر إليّ بعينين تقولان: "أنا هنا، فقط كن صادقاً".ومع الوقت، لم أعد أذهب إلى المكتبة بحثاً عن الكتب، بل لأجل تلك المحادثات الهادئة التي تُرَوّي الروح، ولأجل ذلك الإحساس النادر بأنك مرئي دون أن تُحاكم.
تعليقات